قبل أيام ـــ وتحديدا يوم الخميس الماضي ـــ نشرت بعض وسائل الإعلام
قائمة لأكثر نساء العالم نفوذا، وكان بينهن أربع نساء عربيات، منهن ثلاث
خليجيات، وحسب المصادر الإعلامية، فقد تفوقت سيدة الولايات المتحدة الأولى
ميشيل أوباما على زعيمات دول ورئيسات تنفيذيات، لتتصدر القائمة السنوية
لمجلة ''فوربز'' لأكثر النساء نفوذا في العالم.
هكذا جاءت
هذه الأسماء في القائمة، التي لا أشك أن للمجلة المسوقة أجندتها الخاصة،
كما أن لبعض مؤسسات التصنيف الائتمانية أطماعها ومكاسبها الخاصة، وكما أن
لبعض المؤسسات الدولية سياساتها في إطلاق بعض الإشادات هنا وهناك، وهكذا
جهات عديدة تفتقر ذاتها إلى الحد الأدنى من النزاهة، حتى أضحى التصنيف
لقوائم أسماء شهيرة، أو لأسعار عادلة لأسهم شركات متداولة، أو لبنوك،
ونحوها، في كثير من الأحيان له خلفياته المحددة، وأهدافه الخفية، كما تورطت
سلفا بعض مؤسسات التصنيف في أمريكا إبان الأزمة المالية في إعطاء صورة
مضللة عن بعض المنتجات المالية، بل إن ''بعض'' الجوائز العالمية التي لها
سوق رائجة في الأوساط السياسية والثقافية، ولها سمعتها المثالية، تنتقي
فائزين وتتجاهل آخرين بصورة مثيرة للريبة، وقد كتب بعض المثقفين مقالات
مدعمة بالحجج والبراهين عن بعض هذه الجوائز، ويمكن الوصول إليها عن طريق
معالي المحرك الإلكتروني ''جوجل''.
ولا تزال قوائم التصنيف
تنهال على مجتمعاتنا العربية المهوسة بها، فتتلقفها من وراء المحيطات،
ومنها هذه القائمة المشار إليها أعلاه، فقد ضمت أسماء أربع عربيات، لا
يعرفن بنفوذهن بقدر ما يعرفن بأسمائهن وجاههن ومركزهن، كما أن نفوذهن لا
يكاد يتعدى محيطهن المحلي، عدا ما يفرزه الإعلام من ضجيج، علما بأن حديثي
عن هذه القائمة وما فيها من أسماء لا أقصد منه ''البتة'' استهداف شخصيات
بعينها، بقدر ما أقصد الإشارة إلى أن ما تنشره بعض تلك المجلات له أبعاده،
ربما منها محاولة إشعال جذوة التنافس بين نساء القادة والمسؤولين العرب
ليمشين على خطى نساء الغرب، علما بأني لست من المهوسين بفكرة المؤامرة، كما
قد يتوهم البعض.
أما السيدة ذات النفوذ، ودون أي ضجيج
إعلامي، فهي الصديّقة بنت الصديّق، عائشة بنت أبي بكر ـــ رضي الله عنهما
وأرضاهما ـــ، ولن أطلق الكلام دون براهين مقنعة، كما فعلت مجلة ''فوربز''.
فالبراهين كالتالي:
أولا: أنها مع وفاتها ـــ منذ 14 قرنا
ـــ فهي لا تزال حية الآن بأحاديثها التي روتها عن نبي الأمة، وحاضرة
بيننا اليوم بنصائحها وتوجيهاتها وتصريحاتها الفقهية والتربوية التي
أطلقتها منذ القرن الأول الهجري، ولا تزال يأتسي بها في عصرنا الحاضر نساء
أمة المليار، وتحفظها دواوين السُّنة، ويحفظها أهل العلم، ويتداولها الصغير
والكبير، والرجل والمرأة،
وهنا أتساءل: أين مقولة واحدة
أو حتى تصريح إعلامي واحد يتناقله وينتشي به الناس عن واحدة من هؤلاء
الأربع وأمثالهن، ولو في محيطهن المحلي..؟
بل الحقائق
تقول: إن النساء اللاتي لم يكنّ قرينات الرؤساء والملوك، وإنما وصلن لسدة
الحكم من أمثال ''مارجريت تاتشر*'' أو ''جولدا مائير'' أو ''بنازير بوتو*''
قد خفت ذكرهن، وصرن في عداد الماضي، وبعضهن أمست في مزبلة التاريخ، وذلك
بمجرد تواريهن عن الأنظار، ومنهن من لا تزال حية إلى الآن،
في
الوقت الذي لا يزال فيه توهج عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ إلى اليوم، بما
يكنه أبناؤها وأتباعها من محبة وتقدير، وبما تركه سلوكها من أثر عميق في
سلوك المسلمين ونساء المسلمات، وهو يلقي بظلاله على حجم النفوذ الذي تركته
ـــ رضي الله عنها وأرضاها.
ثانيا: أنها تحظى بأتباع يزيد
حجم عددهم على المليار، كلهم يتشرف ببنوته لها، وبأمومتها له، حتى إذا
احتفل رجل من طائفة نشاز بوفاتها انتفض أبناء عائشة من أقصى الدنيا إلى
أقصاها ليسطروا أروع مواقف البنوة والحب والوفاء، بتأسيس مواقع إلكترونية
خاصة للإشادة بها، وتخصيص برامج في قنوات فضائية للحديث عن سيرتها، وتأليف
لجان حقوقية للمحاماة عنها، وتحريك شخصيات سياسية للانتصار لها، والنيل ممن
تجرأ على الوقوع في عرضها، فأي نفوذ تركته هذه المرأة الراقدة في
قبرها..؟!!
إنها حية بنفوذها في القلوب وإن كانت ميتة، وغيرها ميت وهو في عداد الأحياء..!!
ثالثا:
أنها قد نزل قرآن في شأنها؛ ليخلد ذكرها الحسن إلى يوم القيامة، ونزلت
براءتها مما طعنها به أهل الإفك، ولا يشبهها في هذا إلا مريم العذراء، التي
نزلت سورة باسمها، فكلتاهما نزلت براءتهما في القرآن الكريم، ومن ينزل في
شأنها وحي خاص من الله ـــ عز وجل ـــ ببراءتها، والإشادة بها، فأي نفوذ
ستتركه في أبناء ملتها وهن يتلون هذه البراءة والإشادة صباح مساء..؟
ومن
هنا ألتمس من العربيات الأربع وأشباههن أن يسرن وفق خطى عائشة في الإصلاح؛
كي يحظين بالنفوذ الأصلح لهن ولمجتمعاتهن، وألتمس من سيدة أوباما أن تسير
وفق خطى مريم العذراء؛ كي تحظى بنفوذ مريم، فيكون على يديها إصلاح
الأمريكيين نحو التحرر من عقيدة التثليث، وعقدة الكنيسة، إلى فضاء التوحيد،
وروحانية الإسلام.
كتبه / الدكتور يوسف بن أحمد القاسم