واثق الخطوه عضو جديد
عدد المساهمات : 78 نقاط : 4876 تاريخ التسجيل : 10/03/2012 الجنس :
| موضوع: الاصالة والمعاصرة بين المحاكاة والتقليد الجمعة مارس 16, 2012 1:23 am | |
| الأصالة والمعاصرة بين المحاكاة والتقليد
<blockquote> تواجه أُمّتنا العربية مسألة المحاكاة والتقليد من جهة، ووعينا بالعلاقة التضامنية، بين الإصلاح الثقافي والتنمية الإجتماعية، من جهة أخرى، وهذا ما يعبر عنه بغياب الرؤية الأصيلة في التعامل مع الأشياء وتناولها ومعانقة مسائل الأُمّة، وذلك بالاغتراب عن جوهرها ومعدنها الأصيل. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو ما قيمة هذه الرؤية إذا كانت الأُمّة هشة صفراً أصغر لا تقوى على الانطلاق، ألسنا إذن حيال وعي غير مطابق معاند يصعب عليه التجاوب مع هذه الأفكار. بيد أنّه يمكننا القول إن جميع الانطلاقات والمخاضات الإنسانية الكبرى انطلقت من الأُمّة وجذورها العميقة الصلبة، كما حصل ذلك حديثاً في ثورة اليابان والهند والصين، فهذه الثورات انطلقت من أصالة الأُمّة وتراثها وأصالتها وشخصيتها.. وهذا البحث قد يضطرنا إلى الحفر في تفاصيل وتلافيف معقدة، بيد أننا سنحاول الإيجاز.. في الموضوع حسبما تمليه طبيعة البحث وظروفه. الأصالة بإيجاز تعني التزام ثقافة الأُمّة بأصول تشكل بنيتها الداخلية الهيكلية التي يلتف حولها، ويرتكز إليها الجسم الثقافي العام، وتتعين هذه الأصول بجملة من المفاهيم المحورية والقيم الأساسية التي تميز ثقافة ما من غيرها من الثقافات، أمّا أصالة الوعي، فتعني أنّ الإنسان ينطلق في فهمه وتحليله للأشياء من رؤية تعبر عن ذاته وهويته وتجربته العلمية، بدلاً من تبني أطروحات لا ترتبط بهويته وتجربته وخبرته وتراثه. والأصالة بهذا المعنى تناقض الاغتراب والاستلاب الفكري، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف/ 175-176)، الأصالة في سياق الثقافة العربية تعني البحث عن أصول هذه الثقافة التي أعطتها وجهتها وبنيتها المتميزة واعتماد تلك الأصول لتحديد مواضع القصور والإنحراف في السلوك الثقافي. إنّ طرح الأصالة في سياقها العربي سياقها العربي سيقودنا حتماً إلى تلمس القيم الكلية التي دفعت العربي من صحرائه النائية في مسار خارجي نحو شعوب وأقاليم مغايرة حاملاً إليهم رسالة توحيد في مجتمع مدني عالمي ووحدتهم على اختلاف عروقهم ومللهم ونحلهم في ميثاق أخلاقي يؤكد كرامة الإنسان وحرِّيته وفاعليته في المجتمع والتاريخ. الأصالة العربية تعني ضرورة الانطلاق من قيم الإسلام الكلية وتصوراته الإنسانية وتوجهاته العالمية، في جهد لإصلاح المجتمع العربي وتنمية قدراته الإبداعية، وإعادة ترتيب بيته السياسي ليستوي في ذلك المسلم وغير المسلم. فالمعاني الكلية الثاوية في رسالة الإسلام – وريثة الرسالات السماوية ورائدة التيارات الإنسانية والتحررية اللاحقة – تتطلب التزاماً عقدياً لاعتمادها في عملية التنظيم الاجتماعي في المجتمع الإنساني. بيد أن أصالة المثقف لا تقف عند التزامه بالأصول الإسلامية للوعي الحضاري التاريخي للشعوب المسلمة بدءاً بالشعوب العربية، بل تتبع أُمّتنا في ارتباط الوعي بالتجربة التاريخية للذات، أو بوعي المثقف للسياق التاريخي والجغرافي الذي يعيشه. فعلى المثقف أن يعي حدوده الزمانية والمكانية، وعليه أن ينطلق في تحليله لمشكلات مجتمعه وجيله من الظرف التاريخي الذي يعيشه هو، وتعيشه أُّمّته، فالمثقف الذي يعتمد حلولاً جاهزة يسترجعها في فترة تاريخية سابقة، أو يستعيرها من تجربة مجتمع مغاير، مثقف لم يرتق بعد إلى مستوى الأصالة الفكرية والثقافية، لذلك فهو عاجز عن الإسهام في نهوض جماعته وأُمّته. الأصالة الثقافية تتطلب إذن استحضار العناصر الكلية في التراث الثقافي والمثقف الأصيل قادر من خلال هذا الاستحضار لتلك الطلبات على تجاوز خصوصيات ثقافية، وإعادة تشكيلها وفق الكليات العربية الإسلامية، وبالتالي تحديدها دون إضاعة هويتها أو إنكار تاريخها وتراثها المميز لهان وبالتالي فإنّ الأصالة والتجديد ليسا مفهومين متقابلين، بل هما مفهومان متكاملان، فلا تجديد دون أصالة تربط الحاضر بالماضي، وتبني المستقبل على إنجازات السلف. إنّ المهمة الأساسية التي تواجه المثقف – وهو يسعى إلى النهوض بأمته – تتحدد بتمييز العام من الخاص، والكلي من الجزئي، وإعادة بناء المستقبل على أساس الكليات المعيارية التي تنبع من الإطار التصوري الإسلامي الذي شكل الأصول الثقافية للمجتمع العربي، وإنّ تَعَثُّر جهود الإصلاح والتنمية في العالمين العربي والإسلامي ناجم عن إصرار شريحة كبيرة من المثقفين إسلاميين وحداثيين على استعادة نماذج ناجمة من ماضٍ إسلامي عربي وحاضر غربي. وهذه الصورة المرسومة للأصالة تميزها من التقليد، ومع هذا فإننا نرى مفكراً عربياً مرموقاً كرس قدراته الفكرية لدراسة التراث الإسلامي يساوي بين التقليدي والأصيل في سياق تحليله الازدواج الثقافي في المجتمعات النامية، فيقول أصبحت مجتمعاتنا تعاني من ازدواجية على مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية، وتتمثل في وجود قطاعين أحدهما عصري مستنسخ من النموذج الغربي ومرتبط به ارتباط تبعية وثانيهما تقليدي أو أصلي أو أصيل. وهكذا انتهى الحاضر إلى ما انتهى إليه طه حسين في القول بأنّه يجب الاعتراف بأننا لا نملك اليوم حرِّية الإختيار بين أن نأخذ وبين أن نترك النموذج الغربي الذي فرض نفسه كنموذج عالمي حضاري جديد للعالم كله يقوم على جملة من المقومات لم تكن موجودة في النماذج الحضارية السابقة له قبل التنظيم العقلاني لشؤون الاقتصاد وأجهزة الدولة واعتماد العلم والصناعة والتبشير بقيم جديدة تماماً، قيم الحرِّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية إلخ... نعم يمتلك المثقف العربي الإسلامي الخيار في تطوير نموذج اجتماعي حضاري ينطلق من قيم الإسلام الكلية، ويعيد بناء مستقبل حضاري بتنزيل تلك القيم على الواقع الإجتماعي المستجد مستفيداً من تجارب وخبرات الحضارة الغربية الحديثة. لقد أصبحت الحضارة الغربية اليوم عاجزة عن إعادة توليد الأشكال الثقافية التي أدت إلى نهوضها، لذلك فإنّ المجتمع المدني العالمي الذي ينطوي على سر هيمنة الحضارة الغربية مهدد بالسقوط بعد ما تمكنت جهوده العلمية الطويلة من زعزعة أساسه الديني ما لم يتقدم المثقف المسلم بأطروحات ورؤى جديدة تعيد ربط العقل الحضاري بأساسه الأخلاقي والتجربة الإنسانية بأساسها المعياري. بعد هذه المقدمة نقول إنّ التجديد الثقافي والفكري على الصعيد المعرفي العربي والإسلامي، لا يعني استجذاب قيم جديدة لا أصول لها، أو لا تتناغم والأصول الفكرية والعقائدية لذلك الفضاء، بل إنّ التجديد الثقافي الذي نبغيه ليس مفصولاً عن المشروع الإسلامي في الحقل الثقافي والفكري: تجديد الفهم للدين بثوابته ومتغيراته، فالتجديد لا يتجه إلى الدين كثَبْتٍ من العقائد والأخلاق، وإنّما يتجه بفهم جديد ومعاصر إلى الأصول والقيم الكبرى التي صنعت الحقب التاريخية المجيدة والتي تحوّلت إلى حقب أنموذجية. وبمعنى أوضح إعادة تفسير مفاهيم النموذج الأصلي على ضوء معطيات العصر القائم وتفجير وإظهار ما يحتويه من إمكانات وتنوعات وطاقات. يقول الدكتور برهان غليون: لا يعني التجدد حصول تغيرات إيجابية على المنظومة الفكرية أو الإجتماعية، بل يعني تبدل فاعليتها، ويشمل التنظيم ثلاثة مستويات من ضمنها: تنظيم القيم والأفكار والمعاني، أي موضوعات التبادل والتداول بين الناس، وتنظيم السلطة المعنوية الداخلية التي تشكل أساس القواعد التي تضبط حركة تداول القيم من معانٍ ومفاهيم ورموز، وتنظيم إدارة أو تجسيد القواعد في مؤسسات فاعلة، أي مناسبة لتحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها المنظومة، فالمؤسسة تستند إلى ركيزتين: القاعدة، أي قاعدة العمل والهدف. وبهذا فإن عمل التجديد الثقافي تقدم ربحاً فكرياً ومعنوياً إلى الإنسان، لأنّها تبلور أمامه طرق النمو وآفاق التطور من دون أن تحدث له مشاكل نفسية أو تاريخية، وإلى هذا كان الواقع التاريخي لحياة المجتمعات العربية والإسلامية قاطبة، مليء بعمليات الإجتهاد والتجديد. ولذلك فهو واقع تاريخي تضمن الكثير من المدارس الاجتهادية والتجديدية، وقد لاحظ الفيلسوف إقبال في كتابه تجديد الفكر الديني أنّه وجد في القرن الأوّل وحتى القرن الرابع الهجري ما لا يقل عن تسع عشرة مدرسة فقهية كانت ثمرة لجهود جديدة، اتجهت إلى الإجابة عن تطوُّرات الزمن انطلاقاً من القاعدة الإسلامية. ولهذا ينبغي أن يرتبط مفهوم التجديد الثقافي ارتباطاً عضوياً بمفهوم الإبداع الفكري أي بما يسمح لمنظومة فكرية أن تستعيد فاعليتها وقدراتها على الإنتاج المبدع للمعاني الجديدة. التجديد الثقافي شرط البعث الحضاري: إنّ الخروج من دائرة التخلق التي تلف العالم العربي والإسلامي، لا يتحقق دون التجديد في النظام الثقافي والفكري السائد في العالم العربي والإسلامي، لأنّ التخلف أصاب هذا النظام، وأصبحت هناك أنماط ثقافية وفكرية تحول دون النهضة والتجديد. فالجمود الثقافي وضعف الحيوية الفكرية واضطراب المنهجية الفكرية وتوافر عوامل وأدوات الاغتراب الثقافي كلها عوامل متوفرة في الحياة الثقافية للعالم العربي، ومن هنا فإن تطلعات النهضة الحضارية تبقى آمالاً جوفاء لأنّ التجديد لم يطل الحياة الثقافية، وأنّه لا خروج من دائرة التخلف دون الخروج من دائرة الجمود والترهل والاتكالية. ولا يمكن أن تتحقق تطلعات الأُمّة في الوثوب الحضاري دون التجديد، وإذا أردنا أن نكون أُمّة رقماً صعباً ومؤثراً، فنحن بحاجة للتجديد الذي يصقل المواهب ويبلور الطاقات، ويستوعب الإمكانات ويوظفها بشكل حسن وسليم. فالاستلاب الثقافي والمسخ الفكري أقسى وأوعر عقبة أمام النهوض الحضاري، لأنّه يلغي مقاليد كل فكرة، ويمنع عملية التفاعل الخلاق، وأخطر أثر يصنعه الاستلاب الثقافي أنّه يزيل القدرة الذاتية التي تدافع عن قيم الأُمّة وأصالتها، وبالتالي تصبح الأُمّة عرضة لكل تيار ومدرسة، والأرضية الحقيقية التي تثري حالة الجمود والتكلس الفكري والرتابة العقلية.
المصدر: كتاب المشروع الحضاري العربي الإسلامي </blockquote> | |
|